
الدكتور سمير عبد الغني خميس - ناشط سياسي و نقابي من مدينة حماة - ساهم بتأسيس نقابة الأطباء البيطريين عام 2002 تعرض للملاحقة و الاعتقال عدة مرات في بداية الثورة السورية 2011 ولجأ إلى السويد عام 2014 و عاد بعد التحرير
بين صلاتين 68 عاماً من التحولات
الدكتور سمير عبد الغني خميس – حماة (مقال رأي)
بين صلاتين، مرّت 68 عاماً من التغييرات التي طالت سوريا والمنطقة بأسرها. الصلاة الأولى كانت في عام 1957 عندما أدى الرئيس السوري شكري القوتلي صلاة داخل الكعبة المشرفة، وفي عام 2025، حدثت الصلاة الثانية عندما نال الرئيس أحمد الشرع هذا الشرف. لكن بين هاتين الصلاتين، تمتد فترة مظلمة في التاريخ السوري الحديث، حافلة بالتحولات السياسية والعسكرية التي غيرت وجه البلاد و المنطقة
مرحلة الوحدة مع مصر: تصفية المجتمع المدني
كانت مرحلة الوحدة مع مصر (1958) نقطة فارقة في تاريخ سوريا. شكلت تلك الوحدة، التي فرضها العسكر، بداية مرحلة جديدة من الحكم العسكري الذي سعى للقضاء على المجتمع المدني المتنامي في سوريا. جُمدت الحريات، وتم تدمير الصحافة والأحزاب السياسية، وبدأت المخابرات العسكرية في بسط نفوذها على مفاصل الدولة. هذه الوحدة لم تكن مجرد اتفاق بين دولتين، بل كانت جزءاً من صراع إقليمي ودولي أوسع شهدته المنطقة في تلك الفترة.
الرئيس شكري القوتلي: الرجل الذي أفنى حياته في خدمة الاستقلال
كان الرئيس شكري القوتلي أحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في بناء سوريا الحديثة بعد الاستقلال. ناضل طوال حياته من أجل تحقيق الاستقلال وبناء دولة حديثة، حيث تعرض للسجن وأحكام بالإعدام، وباع معظم ممتلكاته لدعم النضال الوطني. كان مشروعه السياسي والاقتصادي يشير إلى إمكانيات هائلة لسوريا في مجالات الصناعة والتجارة، وهو ما أثار قلق القوى الاستعمارية، خاصة فرنسا والولايات المتحدة.
الوحدة والانفصال: الدسائس العسكرية والصراع الداخلي
بداية من العام 1958، بدأ الضباط السوريون يطالبون بالوحدة مع مصر تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما أدى إلى انعكاسات كبيرة على الساحة السورية. لم يُستشار الرئيس القوتلي في هذا القرار، ولكن مع علمه بنبض الشارع السوري، قرر دعم هذه المبادرة. سافر إلى مصر، ووقع اتفاق الوحدة مع عبد الناصر، الذي أصبح رئيس الجمهورية العربية المتحدة. لكن، مع مرور الوقت، ظهرت الخلافات بين القوتلي وعبد الناصر، حيث تم تجاهل القوتلي، ومنع عزف النشيد الوطني السوري في الاحتفالات، مما عمّق الهوة بينهما. الأزمة الأكبر كانت في قرارات التأميم التي أصدرها عبد الناصر في عام 1961، ما دفع القوتلي إلى معارضتها بشدة، حيث رأى أن هذه القرارات تهدد وحدة البلد.
في القاهرة ، خلال فترة الوحدة مع مصر ، كان قد تم تشكيل تنظيم عسكري سري ، عرف باسم اللجنة العسكرية مؤلَّفة من الضباط : محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وأحمد المير وعبد الكريم الجندي ، قاموا بتشكيل تنظيم عسكري سري داخل الجيش السوري ، تمهيداً للإنفصال و السيطرة على الحكم في سوريا .
تحولات العسكر: من الوحدة إلى الانفصال
كما فرض العسكر الوحدة، كانت يدهم هي من أنهت هذه الوحدة. ففي عام 1961، بعد سنوات من التوترات الداخلية، قام العسكربحركة أنقلابية أسفرت عن انفصال سوريا عن مصر.
في 8 مارس 1963، قام التنظيم البعثي ( اللجنة العسكرية ) بانقلاب عسكري استولوا فيه على مقاليد السلطة في البلاد، ، وقد أمسك هذا التنظيم بمقاليد الدولة كافة، حتى نشاطات الأندية الرياضية والاجتماعية وبدأت مرحلة حكم العسكر تحت ستار حكم الحزب الواحد
المرحلة الطائفية.. صراع داخل اللجنة العسكرية
أدى الصراع بين أعضاء اللجنة العسكرية إلى تصفيات دموية داخلها، حيث تفرقت الولاءات بين صلاح جديد وحافظ الأسد ، في النهاية، استطاع حافظ الأسد أن يحقق النصر بدعم من المخابرات الغربية والإسرائيلية، ليبدأ في بناء حكمه و مشروعه الذي سيستمر لعقود .
الصلاة الثانية 2025 فجر جديد أم استمرار للنفس القديم؟
في عام 2025، بعد 68 عاماً من أول صلاة في الكعبة، شهدت سوريا تحولاً آخر مع صلاة الرئيس أحمد الشرع في مكة. اليوم، ونحن نعيش مرحلة جديدة من التحولات في سوريا والمنطقة ، تمثل في إنتصار الثورة السورية و هزيمة نكراء للمشروعين الفارسي و الطائفي في سوريا .
من المهم أن ندرك دور بلادنا الجغرافي والتاريخي في تشكيل مصير المنطقة والعالم .
سوريا، التي يمتد تأثيرها و دورها من باكستان إلى المغرب العربي، هي مركز حضاري وثقافي للعالم العربي والإسلامي، خاصة مجتمعها العربي السني ( الأمة ) الذي يمثل العمود الفقري لهذه الحضارة.
إن الهوية العربية الإسلامية، التي تجمع بين العروبة والإسلام بشكل متناغم، هي القادرة على قيادة مشروع حضاري يعادل في قوته المشروع الغربي. إلا أن هذه النهضة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تم الحفاظ على التوازن بين هويتين كبيرتين، هما العروبة والإسلام. أي محاولة للتفريق بينهما أو التنافس بينهما لن تؤدي إلا إلى العودة إلى معارك القرن العشرين بكل هزائمها.
خلاصة القول
بين صلاتين، تغيرت سوريا، ومرت بفترات من التأزم والانكسار، لكنها ما زالت تحمل في طياتها الأمل في بناء مستقبل جديد. إن العبرة من هذا التاريخ الطويل هي أن المنطقة لا يمكن أن تنهض إلا إذا عادت إلى جذورها الأصيلة، وحافظت على توازنها بين هويتي العروبة والإسلام.