
صورة التقرير للأهالي مع ذويهم من الشهداء بمجزرة حماة 1982 اثناء احياء ذكرى المجزرة ال43
مجزرة حماة.. إحياء علني ل43 عاما من الخوف
مؤيد الأشقر – حماة
في خطوة استثنائية نادرة لم يشهدها التاريخ السوري منذ أكثر من أربعة عقود، أُقيمت فعاليات علنية في قلب مدينة حماة لاستذكار “مجزرة حماة” التي وقعت في 2 فبراير/شباط 1982.
هذه الذكرى التي اعتبرها أهالي المدينة “مأساة العصر”، شهدت مشاركة واسعة من الجهات الرسمية، والمجتمع المدني، والنقابات، بهدف إعادة تسليط الضوء على فصول دموية من تاريخ الدولة.
صفحة من تاريخ الألم
وفقاً لشهادات مباشرة لأهالي المدينة ومصادر لـ “حماة اليوم”، نفذت سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد – شقيق الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد – عملية اقتحام للمدينة شارك فيها نحو 20 ألف جندي.
وقد أدت هذه العملية إلى سقوط أعداد هائلة من الضحايا؛ إذ تُشير تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى وفاة حوالي 40 ألف شخص واختفاء أكثر من 17 ألف آخر، بينما ترفع بعض المصادر المحلية الأرقام إلى ما يزيد عن 60 ألف قتيل وأكثر من 100 ألف مفقود مع غياب لأية إحصائيات رسمية.
مع مطلع فبراير/شباط الجاري، انقسمت فعاليات إحياء ذكرى المجزرة على خمسة أيام متواصلة في مدينة حماة.
بدأت الفعاليات بساحة العاصي وسط المدينة، حيث تم تنظيم عرض عسكري لعناصر الأمن العام والجيش السوري.
وفي مشهد مؤثر، تم عرض صور الضحايا على شاشة عملاقة، مما دفع الأهالي إلى حمل صور أقاربهم والوقوف تعبيراً عن الحزن والمقاومة ضد محاولات نسيان الحقيقة.
يُذكر أن هذه الفعاليات جاءت لتستجيب لنداءات المجتمع الذي طالما حُرم من ذكر أسماء الضحايا والمفقودين، سواء بسبب القمع أو محاولة تهميش القضية وتحويل المجزرة تلك الفترة إلى “أحداث حماة” مجردة من معانيها الحقيقية.
شهادات تروي معاناة لا تُنسى
في مقابلة مع “صحيفة حماة اليوم”، سرد منور الحاج حامد شهادة صادمة عن ضابط يُعرف بلقب “الياسمين”، كان يُروّع الأهالي بتصرفاته الوحشية حيث كان يقتلع قلوب الضحايا ويشويها أمام أعين من نجى من الأهالي، مشيراً إلى تصريح رفعت الأسد حين قال: “سأحول حماة إلى مزرعة لزراعة البطاطا”.
” منور الحاج محمد”
كما شهدت المناسبة تكريماً خاصاً من نقابة الأطباء في محافظة حماة، حيث أقيمت فعالية مساء 4 فبراير لتخليد ذكرى الأطباء الذين ضحوا بحياتهم بين عامي 1980 و1982 خلال المجزرة، من بينهم اثنان شغلوا منصب نقيب أطباء حماة.
وفي تصريح للدكتور ثائر الدوري، أمين سر النقابة تم استحضار صور وحالات مأساوية مثل طبيب العيون عمر الشيشكلي الذي فقئت عيناه، وطبيب الجراحة عبد القادر قندقجي الذي بُقرت بطنه وقُطعت يداه، في سياق يعكس وحشية العقاب الممنهج.
“الدكتور ثائر الدوري”
صوت الجيل الجديد وأمل استرداد الحقوق
في مشهد مؤثر يجسد استمرار آثار المجزرة عبر الأجيال، ألقت الطفلة ليا الجوبي، ذات الـ12 عامًا، قصيدة مؤثرة استحضرت مآسي تلك الحقبة وترسخت في الذاكرة الجماعية لأهالي المدينة.
قد أشارت كلماتها إلى انتقال صدمة المجزرة من الأجداد إلى الأحفاد، مؤكدّة أن ذكراها باقية حية رغم محاولات النظام السابق تهميشها.
“الطفلة ليا الجوبي”
كما عبّر الدكتور جهاد اللجمي، أستاذ الجراحة البولية، في حديثه لـ” حماة اليوم” عن المفارقة المؤلمة التي عاشها أهالي الضحايا؛ إذ لم يكن باستطاعتهم الاعتراف بشهدائهم خوفاً من عقوبات النظام السابق.
وأضاف اللجمي: “نحن ذوو الشهداء، نحن أولياء الدم، ومن حقنا أن نرفع رؤوسنا فخرًا بشهدائنا”.
“الدكتور جهاد اللجمي”
وأكد على أن إعادة استعادة ذكرى الضحايا وإحياء حقهم في الذاكرة العامة يعد حقاً مشروعاً يجب ألا يُغض النظر عنه.