أ . د مرهف بن عبد الجبار سقا: عمل مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حماة،ومدرسا لمواد علوم القرآن والحديث في المعهد الشرعي "التكية الهدائية" أستاذا جامعيا في تخصص التفسير وعلوم الفرآن وخطيباً في مسجد الشيخ محمد الحامد و مسجد الأحدب. له العديد من المؤلفات في التفسير والإعجاز العلمي في القرآن والفقه وله العديد من الأبحاث العلمية المحكمة والمقالات العلمية المنشورة.

نافذة وعي مع الأستاذ الدكتور مرهف السقا (1) – صحيفة حماة اليوم

أ د. مرهف السقا – حماة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

ما زالت احتفالات الشعب السوري مستمرة ونحن في مطلع الأسبوع الثالث لسقوط النظام الطائفي المجرم البائد، ويحق له أن يستمر بالاحتفال عشرات الأيام، ليعوض عن عقود الاضطهاد والظلم والجبروت الذي تمت ممارسته على أهل سوريا، وقد رأى العالم بعضه في سجن صيدنايا وغيره من سجون النظام الطائفي المجرم والتي عددها أكثر من عدد المدارس والجامعات في سوريا.

إن سقوط النظام الإرهابي ليس نهاية المطاف، ولا يعني سقوطه أن ننزع اليد عن الزناد، ولا أن نخلد إلى الراحة، بل هو انتقال من مرحلة الثورة لإسقاط النظام إلى مرحلة الثورة لبناء سوريا.

فهذا الوطن الذي استعدناه يحتاج إلى بناء من جديد، يحتاج إلى تجديد أصالته، يحتاج إلى إعادة قيمه التي كان النظام يعمل على إماتتها، يحتاج إلى إعادة الوجه الحضاري لسوريا الذي هدمه حافظ المجرم وابنه بشار الإرهابي وأعوانه، نحن بحاجة إلى بناء مؤسساته وفق التخصصات والخبرات التي كان النظام البائد يقتلها ويجمدها، نحن بحاجة إلى بناء اقتصاد بلادنا الذي تمت سرقته من خلال حكم الطائفة والأقارب والمعارف، نحن أمام مسؤوليات كبيرة مطلوبة من كل فرد فينا سواء كان عاملا أو معلما، طبيبا أو مهندسا، موظفا أو غير موظف، صغيرا أو كبيرا.

وإن عملية البناء لا يمكن أن تكون دون استقرار الوضع الاجتماعي والمعيشي واستتباب الأمن في سوريا، فالناس قد أنهكها النظام بالتخويف والاعتقالات وأحكام الطوارئ، وأهانها بلقمة العيش وتوفير الخدمات، وضيق عليها بالمعيشة والغلاء والسرقة والرشوات والأتاوات، وغير ذلك مما يعرفه كل سوري مقيم أو مغترب.

إن عملية البناء تحتاج مع الأمن والاستقرار تعاونا وتعاضدا من كل فئات المجتمع كي يساعدوا بعضهم ويتحملوا قليلا من المشاق حتى يرتاحوا بعد ذلك طويلا، فمن صبر على ظلم حافظ وبشار الإرهابيين ما يزيد عن خمسين سنة، فإنه قادر على الصبر بضعة أشهر قليلة ليعيش عيشة هنية بحرية وكرامة، خاصة وأننا بدأنا نلاحظ بوادر الخيرات بعد سقوط النظام من الانفتاح الاقتصادي وتوارد البضائع واحتياجات الناس والأموال على البلاد.

أيها السوريون:

إن محبيكم في العالم الإسلامي كثيرون وكثيرون كثيرون، ولكن أعداءكم في العالم أيضا موجودون وبقوة ويتربصون بكم الدوائر، هم تفاجأوا مثلكم بسقوط النظام بسرعة غير متوقعة، ولكنهم بدأوا الآن في إعداد ما يعكر عليكم فرحتكم، ويحاولون إعادتكم إلى حظيرة العبودية وسجن الاضطهاد، وأصابعهم في الداخل ما زالت موجودة من فلول البعث والمنتفعين والمنافقين والطائفيين ومن ذهبت مصالحهم ومن شارك النظام البائد في إجرامه، كل هؤلاء في الداخل يستجمعون قواهم لأجل ثورة مضادة تبدأ بنشر الفوضى الفكرية والاجتماعية عن طريق مظاهرات أو دعوات طائفية، ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة وزعزعة الأمن والطمأنينة التي عمت سوريا بعد سقوط النظام.

وأما أعداؤكم من الخارج فهم أصحاب قوة سياسية وعسكرية أزعجها خروج مقدرات بلدنا سوريا من أيديهم، وأخافها أن ينال الشعب السوري حريته، فوقفوا مبهوتين يريدون استيعاب ما حصل، ثم نفضوا رأسهم ليفكروا كيف يجعلونكم شتاتا ويمزقونكم.

واجبنا في هذه المرحلة

نحن أمام تحدي عظيم يستوجب منا أن نؤجل كثيرا من القضايا المهمة لأجل القضية الأهم والأخطر، وهي الحفاظ على وحدة الصف والمحافظة على استقرار سوريا والسعي لنشر الأمن والطمأنينة بيننا.

فنحن حقيقة أمام مرحلة حساسة خطيرة للغاية، تستوجب أن نعمل على مساعدة الإدارة العسكرية والسياسية لإخراج سوريا من مرحلة تصريف الأعمال إلى المرحلة الانتقالية ثم الانتخابات، فالثورة لم تنته بعد، والأعباء لم تخف، بل زادت، فلنصبر على مطالبنا قليلا ولنتحمّل قليلا من المعاناة التي لا تقارن أبدا بمعاناة وجود النظام وظلمه، كما لا تقارن بمعاناة وجود الفوضى وسيل الدماء من جديد بعد هذا الانتصار العظيم، فالآن بدأ العمل المثمر، وآن للعقلاء أن يظهروا أنفسهم و يبادروا في ضبط المجتمع وقيادته وإطلاق المبادرات.

أيها السوريون:

ستجدون من يحرضكم على بعضكم، وستجدون من يستغلون نقصا في الخدمات أو أخطاء تقع – وهذا موجود لا ينكر -، وستجدون من يستغلون غضبكم على النظام البائد لأجل جركم إلى فتنة لا تنتهي بإراقة الدماء فقط بل ستتعداها إلى فناء مدن، ستجدون من يثير عواطفكم بشعارات براقة يجند من ورائها أبناءنا ليكونوا ضدنا، فلا تعطوا آذانكم إلا لعقلائكم وعلمائكم، ولتكن وجهتنا بناء سوريا، وضابطنا في ذلك قيمنا الإسلامية، وموجّهنا إلى ذلك علماؤنا المخلصون الصادقون.

إن الأيام السابقة بعد سقوط النظام الإرهابي الأسدي الطائفي أثبتت للعالم كله أنكم شعب آمن وواعي وعاقل، نعم: أثبتت للعالم أنكم شعب حضاري بسلوككم وأخلاقكم ودوافعكم، فسقوط النظام بهذه السرعة كفيل بانتشار الجريمة والسرقة، إلا إن هذا لم يحصل، ولم يظهر في المجتمع، وما حصل منه فهو قليل ثم تبين أنه كان على يد فلول النظام البائد.

لقد رأينا كيف بادر أبناء سوريا بتشكيل اللجان والمجموعات لتنظيف شوارعها، وقامت مبادرات خيرية لسد حاجات التعليم وتأمين ما يتطلبه الناس من غذاء ودواء، و تكاتفت يد أبناء سوريا في الخارج مع يد إخوانهم في الداخل لاحتواء أي ثغرة تظهر لهم، فإن دل هذا على شيء فإنه يدل على مدى الوعي المسؤولية التي يشعر بها السوري المخلص الصادق تجاه أهله ووطنه، وأنه يفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى.

وما زلنا ندهش العالم بانضباطنا لأجل أمن سوريا، و حرقتنا على بناء سوريا، وسندهش العالم أننا سنتجاوز هذه المرحلة الصعبة بكل قوة ورباطة جأش وحماس ووعي بإذن الله.

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]

ديسمبر 22, 2024 |

التصنيف: في العمق |
الوسوم:

شاركها مع أصدقائك!

اقرأ أيضاً