الصور خاصة بالكاتبة مريم ابراهيم
مريم الإبراهيم- ريف إدلب
 
 
وسط إستمرار معاناة المرأة السورية في ظروف الحروب السورية في مناطق الحكومة السورية والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، أسست مجموعة من النسوة منذ سبعة أشهر تحديداً في بلدة حربنوش “رابطة صامدات” بترخيص حكومي،التي حملت على عاتقها مسؤولية إيصال صوت النساء المصابات ومعاناتهم إلى العالم، لتكون لهن صوتاً مرشد نحو الأمل.
أسماء عبد الرحمن المصري، مديرة رابطة صامدات” 37 عامًا،مهجرة من حماة إلى إدلب، أصيبت في ساقها اليمنى برصاص قناص، مما أدى إلى كسر وتفتت عظم الساق. خضعت لعمليات عديدة، منها تطعيم العظم مرتين وتثبيت الساق بصفائح ومواد طبية أخرى. 
تعبت من إصابتها كما كان لها أثر سلبي على صحتها الجسدية والنفسية، لكن ذلك كان حافزاً كبيراً للتميز والإبداع وعدم الوقوف عند إصابتها، تقول أسماء “نهدف من خلال الرابطة لإخراج المرأة المصابة من قوقعة الخجل، وزرع الابتسامة على وجوههن، المرأة أنا وأختي وأمي وأبنتي سأناضل توصيلها لجهات تتبنى علاجها، مهما كانت إعاقتها”.
وأضافت “أطمح لإنشاء مراكز في كل مناطق الشمال المحرر تديرها متطوعات مخلصات، مؤمنات برسالتهن النبيلة”.
ومن أبرز القصص التي واجهتها أسماء، قامت بزيارتها مع أعضاء الفريق وكان لها وقع في نفسها.
“فاطمة أيمن” فتاة في السادسة عشرة من عمرها من ريف حلب، مهجرة إلى ريف إدلب تقيم في مخيم “الفرقان في حربنوش”، التي بدأت مأساتها عندما أصيبت في ساقها وهي في العاشرة من عمرها نتيجة قصف الطيران على قريتها.
 
لم تستطع هذه الطفلة التعبير عن الألم والمعاناة التي عاشتها للرابطة أثناء الزيارة، فهي ما زالت تعيش في صدمة مستمرة، تعرضت فاطمة لإصابة بليغة في ساقها، عانت خلالها من مراحل علاج مؤلمة، وكانت تعيش في خوف دائم من بتر ساقها. 
لم تكن إصابتها هي الوحيدة، إذ أصيب شقيقها أيضًا، وفقدت والدها بسبب القصف.
كما أن وفاة والدتها بمرض السرطان زاد من معاناتها، حيث تحملت مسؤولية رعاية إخوتها الثمانية اليتامى. 
حلم طفولي يعتلي فاطمة بإكمال تعليمها وأن تعيش حياة طبيعية كأي فتاة في عمرها، لكنها لم تستطع حتى التعبير عن مشاعرها والألم النفسي الكبير الذي عاشته.
 الكلمة الوحيدة التي تمكنت فاطمة من قولها حين زيارتها للرابطة “لا أستطيع الكلام”.

في ذات السياق، سوسن فتاة عشرينية حملت ندوباً جسدية ونفسية نتيجة اعتقالها في سجون النظام، اعتقلت “سوسن” عام 2018 وخرجت من المعتقل عام 2023، بعد أن عانت من تعذيب شديد.
عندما خرجت من المعتقل، كانت شبه ميتة سريرياً، قامت الحكومة برميها في الشارع في دير الزور، حيث عثرت عليها امرأة قامت برعايتها، وعقب نشر قصتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تمكن أهلها من العثور عليها ودفعوا مبلغاً كبيرًا من المال لنقلها إلى الشمال السوري، تحت سيطرة المعارضة السورية.

 أصبحت عاجزة عن الحركة والكلام، ولا تستطيع تناول الطعام بمفردها. 
تعكس قصة “سوسن” المعاناة المستمرة للكثير من النساء والفتيات في سوريا اللواتي يعانين من آثار الحرب، سواء من خلال القصف أو النزوح أو الإعتقال.
 
قصة هؤلاء النساء هي مجرد أمثلة على آلاف القصص المؤلمة التي تعيشها النساء المصابات في الشمال السوري، الحرب والصراعات تترك آثارًا لا تُمحى على الأرواح البريئة، وتظهر الحاجة الملحة لتقديم الدعم النفسي والجسدي لهؤلاء الضحايا. 
تقول مديرة الرابطة أسماء بأن عمل الرابطة، من الساعة العاشرة صباحًا حتى الثالثة عصرًا، على مدار أربعة أيام في الأسبوع. 
هذا العمل الدؤوب تديره 15 متطوعة من النساء، كل واحدة منهن تحمل قصة خاصة بها، قصة تحدٍ وأمل، عملية اختيار المتطوعات تتم بعناية فائقة، حيث يخضعن لدورات تدريبية متخصصة تشمل الجولات الميدانية، الإحصاء، قيادة الحاسوب، مهارات التواصل، التعامل مع ذوي الإعاقة، التمريض، والإرشاد النفسي، هذا التدريب يمنحهن القدرة على تقديم الدعم المتكامل للمصابات، حيث يواجهن معهن تحديات الحياة بقلوب قوية وأيادٍ حانية.
 
في كل زاوية من زوايا الرابطة، تجد قصة امرأة تواجه مصيرها بشجاعة، يقدم فريق الرابطة جلسات دعم نفسي فردية وجماعية، يوثق من خلالها قصص النساء المصابات، مستخدمين الإمكانيات المتاحة لنقل تجاربهن ومعاناتهن. 
عملهم تطوعي بالكامل، يستهدف النساء من جميع الأعمار اللواتي عانين جسديًا ونفسيًا من ويلات الحرب.
 يسعى الفريق من خلال هذه الجلسات لإيجاد لغة حوارية فعالة، تمكنهم من الوصول إلى المصابات وإخراجهم من قوقعة الخجل التي فرضتها عليهن إصاباتهم والتشوهات التي يعتبرها المجتمع إعاقة.
 
الرابطة ليست فقط مكانًا للدعم النفسي، بل تحرص على تقديم الدعم الشامل، تسعى لمساعدة المصابات عبر إجراء العمليات الجراحية المناسبة، تركيب الأطراف الصناعية لمن فقدت أطرافها، وتنمية قدراتهم من خلال تعليمهن مهنًا مناسبة، تخصص رواتب للمصابات غير القادرات على إعالة أنفسهن، رغم عدم وجود تكلفة تشغيلية للفريق وغياب وسائل المواصلات لرصد الحالات البعيدة، تستمر في العمل بجهود ذاتية من كل متطوعة في منطقتها.
 
وأضافت أسماء “لا تتوقف عند حدود الرابطة، بحاجة للتعاون مع جهات مختصة بالصحة لإجراء العمليات اللازمة، وبحاجة أيضاً لصالة مناسبة لتدريب المصابات، نقدم مشاريع خاصة للنساء المصابات، نؤمن بحق المرأة المصابة في الانخراط بالمجتمع، وندعو المنظمات المانحة لدعم فريقنا والمصابات مادياً”.


لكن التحديات تحاوط عمل هذه الرابطة التطوعية من كل جانب، ولعلّ من أبرزها العوائق المادّية، حيث تؤكد أسماء أنه “لا يوجد تمويل لدعم جهودنا، ونعتمد على الاجتهاد الشخصي من المتطوعات، من الضروري أن تتعاون الجهات المعنية لتسليط الضوء على هذه الفئة المستضعفة وتقديم الدعم اللازم لها، رسالتنا واضحة وعظيمة”.

 
تم تحرير المادة من قبل فريق عمل “حماة اليوم” دون أي تغيير في التصاريح الواردة.