زواج القاصرات.. عادات تزيد من أعدادها في حماة 

مصدر الصورة “غوغل”
يزن شهداوي- حماة

رغم تعديلات القوانين من الحكومة السورية التي فرضت فيها عقوبات قانونية على تفشي ظاهرة زواج القاصرات السوريات من الفتيات المتواجدات في الداخل السوري، لأسباب عديدة أبرزها تكمن بسبب تدني المعيشة الاقتصادية وإنتشار الفقر بشكل كبير، علاوةً عن تطلّع بعض عوائل الفتيات الصغيرات في السن في تزويج بناتهن لأصحاب المال والنفوذ وذوي السلطة من الضباط والمسؤولين، بالإضافة إلى بعض العوائل التي ما زالت تتشبث بعاداتها وتقاليدها في منع تجاوز البنت سن الثمانية عشر دون زواج، مع حرمانها في حقها من التعليم.

إلّا أن الكثيرين من الحقوقيين وجدوا في تعديلات القانون 24 لعام 2018 التي صدرت تعديلاته في الأول من فبراير 2024، التي شدّدت على قوانين العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949، الذي نصّ على عقاب من يعقد زواج قاصر بكر (لم يسبق لها الزواج) خارج المحكمة دون إذن وليها الحبس من شهر لستة أشهر والغرامة من 50 إلى 100 ألف ليرة سورية، بدل الغرامة من 100 إلى 250 ليرة في القانون السابق، أما في حال إذن ولي الأمر، فيعاقب ولي الأمر  بالغرامة من 25 ألف إلى 50 ألف ليرة.

ورغم تعديلات قوانين الأحوال الشخصية لعام 1950، التي تم تعديله في منتصف عام 2019، برفع سن الزواج من 17، إلى 18 عاماً. وجد المحامي نضال المتواجد في محافظة حماة في حديثه لـ “حماة اليوم” بأن هذه القوانين لا تشكّل أي قيود ذات أهمية على أرباب العوائل ممن يسعون في تزويج فتياتهم دون سن الثامنة عشر.

وأشار من الناحية القانونية، فإن الغرامة المفروضة حديثاً بالكاد تساوي راتب شهر واحد من رواتب الموظفين الحكوميين، ما يعادل 6 دولار أمريكي، كما أن الفساد المنتشر في القضاء والمحاكم العدلية زاد في الإحتيال على القوانين.

من ناحية أخرى، قال نضال بان هذه الظاهرة ما زالت تسجل أرقاماً يومية في حماة، تصل إلى حالة وحالتين بشكل يومي، تسجّل يومياً في محاكم حماة الشرعية، معظمها من أبناء المناطق الريفية لحماة وخاصة في ريف حماة الشمالي والشرقي بشكل أكبر، نسبة إلى العادات والتقاليد التي ما زالت تتوارثها الأجيال في ضرورة تزويج بناتهم قبل وصولهم سن الثامنة عشر بسبب إعتبارها “عانس” فيما إذا وصلت إلى سن العشرين بدون زواج.

ورغم تسجيل حالات عديدة من الطلاق لفيتات في سن الـ 17 عاماً، والـ 15 عاماً، ببسبب عدم التوافق الفكري بين الشاب الثلاثيني أو العشريني من الفيتات الأطفال ممن لم يبلغو سن 14 و13، إلّا أن ذلك لم يحرّك وزارة العدل على منع تثبيت حالات الزواج هذه في المحاكم الشرعية، وكبحها بشكل قانوني وبيد صارمة لإيقاف هذه الظاهرة وخاصة في تلك المناطق التي يغلب عليها طابع عقدة الإناث.

كما حمّل نضال جزء كبير من المسؤولية على عاتق المنظمات الدولية والانسانية العاملة في محافظة حماة، والتي من الواجب إقامة دورات تأهيلية للأمهات والفتيات الصغار والآباء بضرورة التوعية إلى خطورة هذه الظاهرة، وشأنها في تدمير عدد كبير من العلاقات الزوجية التي نراها بشكل يومي في محكمة حماة الشرعية من حالات الطلاق التي تصل بشكل متوسط إلى أربعة حالات يومياً.

إسراء، فتاة عشرينية من مدينة حماة من منطقة مشاع الفروسية بحماة، تزوجت في سن الـ 14 عاماً، وبعد فشل علاقتها الزوجية مع زوجها الثلاثيني أضطرت للإنفصال عنه في سن الـ17، تقول إسراء “إنها كانت تعتبر الزواج بحسب تفكير عائلتها، جنّة تحلم بها كل فتاة، فعند إقناعها من قبل أهلها بالموافقة بالزواج، بحسب عادات عائلتها بزواج البنت منذ بلوغها، وقبل وصولها سن السادسة عشر،و كانت سعيدة بشكل كبير، ولكن بعد مضي أقل من 15 يوماً على زواجهم بدأت المشاكل العائلية بسبب عدم فهمها للكثير من التفاصيل الزوجية وإحتواء الزوج ومستلزمات المنزل كـ ربة منزل، وبدأت هذه المشكلات بالتزايد يوماً بعد آخر، حتى وصلت إلى تعنيفها وضربها مع كل مشكلة تقوم بها، تحت راية (تربيتها) لعدم تكرار تلك الأخطاء”.

وبين مشاعر مختلطة بين حزنها وفرحها، تقول كانت سعادتي في الإنفصال عن زوجي كبيرة جداً لخلاصي من التعنيف والإضطهاد وعدم قدرتي على الإنجاب لمشاكل مرضية، بينما كانت مشاعر الحزن بأنني أصبحت بنظر المجتمع مطلقة وفرصي بحصولي على زواج جديد يضمن لي حياة زوجية جيدة باتت أقل، ولكن رغم ذلك كان قرار إنفصالي رغم معارضة أهلي، أمراً لا بدّ منه.

كما حُرمت إسراء بذلك وبحسب القانون السوري في وزارة التربية والتعليم من حقها في العودة إلى مدرستها الإعدادية لإكمال تعليمها، وعدم قدرتها على متابعة تعليمها بشكل فردي بسبب إنقطاعها لفترة طويلة عن الدراسة وعدم القدرة مالية على تأمين مدرسين خصوصيين وتأهيلها للحصول على شهادة التعليم الأساسي، وبذلك خلصت في نهاية هذه العلاقة مطلقة ودون تعليم، لتلحق بورشات تدريبية لتجميل السيدات في إحدى المنظمات المحلية في حماة، وعملت بعدها في صالون تجميل نسائي في حماة لتأمين قوت يومها ومساندة عائلتها مع إزدياد سوء أحوالهم المادية.

تقول إسراء “أناشد كل الأهالي في حماة وخاصة العائلات الفقيرة بعدم تزويج بناتهم قبل نضجها فكرياً، ووعيها بشكل صحيح عن الزواج والحياة الزوجية والمسؤوليات المترتبة عليها، من أجل تقرير مصيرها بنفسها، واختيار الشخص المناسب لها، الذي يضمن لها إستمرار علاقتها الزوجية بشكل سعيد”.

أم رامي، أم لثلاث فتيات في حماة، تعيش في منطقة جنوب الملعب في حماة، قالت لـ “حماة اليوم” بأنها مع زواج فتياتها بشكل مبكر، خاصة مع سوء الأحوال المادية الذي تعيشه اليوم، والذي يزداد سوءاً بوماً بعد آخر، وبسبب قلة عدد الشبّان في البلاد، وبأن فرصة زواجهم مبكرة تكون أكبر قبل بلوغهم سن العشرين عاماً، مع عودة توجّه الشبّان للرغبة بالزواج من الفتيات الصغار سنّاً، وهذا ما يزيد من إصراري على فتياتي بأني سأقوم بتزويجهم مع أول زوج مناسب يتقدم لهم رغم أن أكبرهم لم تبلغ سن السادسة عشر.

وأضافت بأن عبئ ومسؤولية تربية فتياتها وخوفها من الإنفلات الأخلاقي المتواجد في العالم كله، وعدم وجود زوجها بسبب سفره للعمل في لبنان، يجعلها تصر بشكل أكبر على تأمين مستقبل فتياتها في بيوت أزواجهنّ، ولكن ليس بسبب الطمع المالي في المهور، أو خوفاً من عدم تأمين لقمة العيش، ولكن الظروف اليوم أصبحت أشد قسوة، وأجبرت الكثير على تزويج بناتهم رغم علمهم بان هذا التصرف خاطئ.

في رأي مناقض، الناشطة الإنسانية سعاد في حماة، تحدثت بعجب عن تزايد هذه الظاهرة في حماة رغم تطور التكنولوجيا ومعرفة خطورة هذه الظاهرة على المجتمع بشكل كامل، وعلى الفتيات بشكل خاص، وبأن حرمانهم من حقوقهم في العيش في مرحلة الطفولة وضرورة نضوجهنّ من أجل معرفة تحديد مصيرهنّ بالزواج وإخيتار الزواج المناسب لهنّ، إلّا أن هذه الظاهرة ما زالت تسجّل يومياً في حماة، على فتيات ما زالو في الصفوف الإعدادية ممن لم يبلغن سن الأربعة عشر عاماً.

وبحسب قولها “رغم قساوة الظروف، وإزدياد الأوضاع المادية سوءاً على الجميع وخاصة المناطق الفقيرة التي تنتشر فيها هذه الظاهرة بشكل كبير، إلّا أنه لا يشكل مسوغا لرمي فتياتهم بهذه الطريقة، للخلاص من عبئهم المادّي أو الخوف من عدم زواجهم مع تقدمهم في العمر وصولهم إلى سن العشرينيات”.

وأشارت إلى أن هذه العلاقات الزوجية، حملت معها عشرات المشكلات المرضية للزوجة الطفلة التي تسجل يومياً في مشفى حماة الوطني بسبب عدم قدرة ظهر الزوجة لتحمل الحمل في سن مبكر، كذلك أمراض نسائية كثيرة جميعها سببه صغر سن الزوجات، إضافة إلى أن أهم سبب من إزدياد حالات الطلاق المنتشرة في سوريا هو هذه العلاقات التي تتم بشكل غير واعي من قبل الزوجة، أو بشكل إجباري عنها، لتنتهي بالإنفصال بعد سنوات قليلة، وبالتالي زيادة عدد الطلاق على الفتيات ممن لم يبلغوا سن العشرين، دون وجود أرقام دقيقة من قبل المحكمة الشرعية في حماة.

كما أن هذه الظاهرة بدأت العام الماضي والعام الجاري في الإنتشار في تزويج القاصرات إلى الشباب السوري خارج البلاد، والاكتفاء بتعريف الزوجة الفاصر على زوجها عبر برامج التواصل الاجتماعي على الانترنت، ومن ثم تسفيرها إليه، مقابل مهور مالية كبيرة، نسبة إلى فرق سعر العملات على الليرة السورية، وبعدها تبدأ قصص معاناة الفتاة بسبب سوء أخلاق الزوج، أو حبسها في المنزل، أو تعنيفها، وعدم قدرة أهلها من الوصول إليها، وعدم قدرة الزوجة على العودة إلى سوريا، وهذا ما بات يُسمع بشكل يومي في القصص المتداولة في أوساط المجتمع المحلي.

وقالت بأن الكثير من العائلات وخاصة في الريف الحموي يعملون على تزويج فتياتهم عند “شيخ” أي خارج المحاكم الشرعية، والاكتفاء بعقد القران مع شهود، دون تثبيته في المحكمة، وهذا ما يزيد الطين بلّة في أكل الزوج لحقوق الزوجة أو صعوبة إصدار أوراق رسمية لهذا العقد أو تثبيت هوية الأطفال مع المستقبل.

فيما حملّت الحكومة السورية والمحكمة الشرعية في حماة مسؤولية تزايد هذه الظاهرة بسبب التهاون الكبير في متابعة هذا الأمر، وبأن عقود القران تتم بشكل عاجل دون توعية الفتاة القاصر لقرارها، ومعرفة خلفية هذا القرار إن كان بالإجبار، أو بمعرفتها بتفاصيل الزواج ومستقبله.

شاركها مع أصدقائك!

اقرأ أيضاً