مكسيم الحاج، يزن شهداوي- حماة
ازدادت مؤخراً نسب الطلاق في محافظة حماة بحوالي 7% في عام 2023 عن عام 2022، كما هو الحال في عموم الداخل السوري وذلك بحسب إحصائيات صرّح بها مصدر خاص -موظف حكومي- من المحكمة الشرعية في حماة، في إحصائية تقريبية قامت بإرسالها إلى وزارة الأوقاف في الحكومة السورية من أجل بداية إنشاء مراكز توعية زوجية في المنظمات المحلية والمساجد ودور العبادة.
ويعزو المصدر الذي رفض التصريح عن هويته لدواعِ أمنية، بأن معظم حالات الطلاق تركزت أسبابه حول العنف الأسري، والعنف المطبق على الزوجات من قبل أزواجهم، وفي الكثير من الحالات ما يكون هذا العنف على الأبناء أيضاً، وبحسب قوله “فيما إذا دخلنا في تفاصيل حالات الطلاق التي سببها العنف الأسري، أو العنف المنزلي كما يطلق عليه، ستجد بان معظم دوافعه بسبب الأزمة الاقتصادية وفقر الأوضاع المادّية، كذلك الدوافع النفسية التي يعيشها الرجل والظروف القاسية التي تنعكس بشكل سلبي على زوجته وأبناءه، فيما كان للدوافع الاجتماعية المتوارثة في بعض العائلات من ضرورة فرض هيبته ورجولته على المنزل وزوجته تكمن في الضرب والتعنيف ليل نهار حتى تبقى كلمته هي السائدة في المنزل”.
مضيفاً بأن قضايا الطلاق المتعلقة بالتعنيف الأسري غالباً ما تنتهي بالمحاكم الشرعية في نزاعات تتمدد لشهور وبعضها لسنوات، بسبب الترهل القضائي في هذه القضايا، وعدم تخلي الزوج عن زوجته عندما يرى زوجته قد رفضت هذا التعنيف وطالبت بحقوقها.
أم سمير، إمرأة عشرينية في حماة وأم لثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، تزوجت في الثامنة عشر من عمرها، تحدثت لـ “حماة اليوم” بأنها تعاني منذ أربعة أعوام بشكل شبه يومي للتعنيف الأسري، من قبل زوجها الذي يقوم بتعنيفها جسدياً عن طريق الضرب، كذلك التعنيف اللفظي بالشتائم والإهانة أمام أبنائها بشكل شبه يومي، ورغم تهديدها المستمر بشكايته للشرطة ولجوئه إلى أهله من أجل وضع حد لهذا التعنيف المستمر الذي يطال أطفاله في معظم الأوقات أيضاً، إلّا أن ذلك لم يجدي نفعاً حتى اليوم.
ذهبت هذه المرأة في رأيها بأن هذا العنف الذي تولد بشكل مفاجئ لدى زوجها هو بسبب الضغوط المادّية التي يعانيها، بسبب عدم وجود فرص عمل مناسبة له، واضطراره للعمل في سوق الهال بحمل الخضار والفواكه من محال الجملة إلى السيارات وتوزيعها إلى محلات البيع الصغيرة، واضطراره للعمل مساءاً في ورشات للدهان من أجل تأمين مردود مالي يفي بمتطلبات منزله المستمرة من أجل أبناءه، فعند قدومه إلى المنزل بعد شقاءه طول اليوم على عشرة آلاف ليرة سورية (0,75 دولار أمريكي بسعر صرف 14800 ليرة لكل دولار في السوق السوداء) يبدأ بتفريغ هذا الكبت والضيق الذي يعيشه خارجاً على أهل بيته، بالضرب والشتائم المستمرة حتى نومه.
كذلك الإهانة والضغط النفسي الذي يتعرض له بشكل مستمر من أصحاب العمل لديه، والضغوط النفسية المستمرة التي باتت تفرضها ظروف الحياة في الداخل السوري على الرجال في سوريا، جميع ذلك حوّل من أبو سمير من رجل جيد أخلاقياً وذو تعامل إنساني جيد إلى رجل عنيف، بأخلاق صعبة، غالباً ما ينتهي كل طلب من طلباته بالضرب والشتائم، ورغم محاولاتها العديدة في مناقشته لإعادة هدوء المنزل إلى ما كان عليه ومواجهة ظروف الحياة مع بعضهم البعض، لم تجد تلك الحلول باباً للمساهمة في عودة الإستقرار المعيشي إلى منزلهم، بحسب قولها.
وترفض أم سمير اللجوء إلى الإنفصال، وعودتها إلى منزلها، بسبب عدم رغبة أهلها في عودتها للعيش معهم برفقة ثلاثة أبناء، بسبب ضيق أحوالهم المادّية، وعدم قدرتهم على تأمين مستلزمات ثلاثة أطفال، وهذا ما رفضه والدها بشكل صريح ومباشر، ومن جهة أخرى تخاف أم سمير أن تصبح في المجتمع “مطلقة”، كما أنها ترفض اللجوء إلى أي مخفر شرطة أو منظمة لحماية حقوقها وحقوق أطفالها من التعنيف المستمر المطبق عليها، رغم تسبب زوجها في إحدى المرات بإصابتها بكسر في يدها اليسرى، وجرحها في وجهها لعدة مرات بسبب ضربها بشكل عنيف على وجهها بيده.
سالي، شابة تبلغ من العمر إثنان وعشرون عاماً، تزوجت في سن السابعة عشر من زوج يكبرها أحد عشر عاماً، يعمل موظف حكومي في إحدى مؤسسات الدولة، قالت بأن تتعرض للتعنيف الجسدي بالضرب بشكل مستمر وذلك لسعي زوجها في فرض سيطرته عليها عن طريق الضرب، واعتبار فرض هيبته على المنزل تكون عبر هذه الطريقة.
مضيفةً بأن هذه العقلية التي وصفتها بالـ “متخلفة” متوارثة من والده الذي يقوض بضرب زوجته رغم بلوغه من العمر قرابة السبعين عاماً، وبلوغ زوجته الستون عاماً، وبأن أهلها كانوا على دراية تامة بهذا الأمر، ولكن قناعتهم بأن ولده لن يكون مثل أبيه بسبب أن متعلم وحاصل على شهادة جامعية وبالتالي لن يحمل معه هذه العادات والتقاليد.
كما أن الحاجة المادّية التي تزداد يوماً بعد آخر على عاتق زوجها، تحملّه ضغوط نفسية كبيرة، ولكنها هذه الضغوط لا تجد منفساً لها إلّا عن طريق التعنيف بسالي والاستمرار بترديد جملة “أنا الرجل هنا”، التي يجب أن يُدار كل نقاش حولها، وبأن القرار لا يجب أن يكون لسالي رأي به.
تقول سالي “رغم ولادتي بطفلة صغيرة بعد عامين من زواجي، لكن ذلك لم يخف عني التعنيف المستمر، إضافة إلى أنه حتى لم يتوقف حتى في فترة حملي بطفلتي، أو بعد ولادتي لها بعدّة أيام، كما أنه لم يراع أي حق من حقوقي كإمرأة حامل، أو مراعاة وضعي الصحي بعد ولادتي”.
لجأت سالي بحسب قولها إلى أهلها من أجل عدم تحملّها للضرب الذي باتت طفلتها تراه أمام أعينها، فلجأ الأهل إلى المحكمة الشرعية ورفع دعوى خلع بسبب التعنيف مع المطالبة بجميع حقوقها ورفع تقارير من الطبيب الشرعي حول آثار التعنيف الموجود على جسدها، وبعد أربعة أشهر من رفع الدعوة القضائية وتوكيل محامي، تم الحكم بطلاقي منه والحصول على مستحقاتي بشكل كامل.
سالي تحدثت بأنها رغم أنها أصبحت مطلقة، بحسب رأي المجتمع السائد في البلاد، إلّا أنها تجد أنها خرجت من سجن كاد أن يكون لمدى الحياة لولا إصرارها حول حقها في الحياة، وعاودت دراسة الثالث الثانوي والآن هي في كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية في حماة، تكمل تعليمها بجانب تربية طفلتها.
ودعت سالي جميع النساء المعنفات في محافظة حماة بشكل خاص، التي تعاني بعض العائلات من العادات والتقاليد في فرض هيبة الرجل على المنزل عن طريق التعنيف والحرمان من أبسط الحقوق، بأنها يجب أن يكون الحد من هذا الأمر بشكل فوري، لعدم دفع سنوات عمرها بسبب عادات متوارثة قد تسجنها طوال حياتها تحت الضرب والإذلال.
عبير، ناشطة حقوقية في محافظة حماة، تعمل في إحدى المنظمات الإنسانية المحلية فيها، تحدثت بأن معظم النساء المعنفات تقع على عاتقهنّ مسؤولية تعنيفهنّ بشكل مباشر، وذلك بسبب صمتهم عن التعنيف الذي يتعرضون لهم، وفي بعض الحالات يتعرضون له برفقة أبنائهم، إلّا أن البعض يُعذر بسبب تخلي عائلاتهم عنهم، وتركهم في بيوت أزواجهنّ دون رادع، مما يضطر المرأة إلى السكوت عن حقوقها، والاستسلام إلى وضعها المأساوي طوال حياتها.
وعبرّت عبير عن رأيها في التقصير حيال هذا الأمر في محافظة حماة، بسبب الطبيعة الاجتماعية التي تعيشها محافظة حماة، وعدم رغبة الكثير من الأهالي في فصل بناتهم عن أزواجهم خوفاً من حديث المجتمع حول قضايا “الطلاق” وإطلاق كلمة “مطلقة” على بناتهم، كذلك ضيق حال طبقة كبيرة في محافظة حماة مع إزدياد الوضع المعيشي سوءاً في الداخل السوري، يفضي بعدم قدرة العائلات على إستقبال بناتهم كمطلقات للعيش مع أبنائهم بعد الطلاق، وهذا ما يزيد الأمر تعقيداً حيال موضوع “التعنيف الأسري”.
وأفضت عبير بأن عزو أسباب التعنيف الأسري إلى الضغوط النفسية والمادّية التي يعيشها الزوج خارج المنزل، ليس سبباً يقضي بتطبيق التعنيف من قبل الرجل على زوجته، فـ سوء الأحوال المادية هو أمر سائد على جميع الأهالي في الداخل السوري، والضغوط النفسية يتعرض لها الجميع، نساء ورجال، وبالتالي هذه الظروف يجب على الزوجين تقاسم والتشارك في حل مشكلات المنزل على جميع الأصعدة، وليس تنفيس هذه الضغوط على الزوجة للتفريج عن همومه وما يطبق عليه من ذل وإهانة خارج المنزل من قبل أرباب عمله أو من قبل الجهات الأمنية التي تخدش رجولته في مكان عمله أو عبر موقف ما.
وطالبت عبير عبر “حماة اليوم” ضرورة السعي نحو تحرك المنظمات الدولية والمحلية العاملة في محافظة حماة، بحملات توعية مكثفة، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، كونها متابعة بشكل كبير في حماة، وعبر ندوات توعوية، تقوم بدورها بتوعية الزوجات على رفض أي وسيلة من وسائل التعنيف الأسري، المختلف بأشكاله والمطبق في محافظة حماة، من الضرب أو الإهانة بالشتائم، أو المنع من الخروج من المنزل، أو ممارسة حقوقها كغيرها من النساء، وضرورة وجود مراكز مرجعية لهذه المنظمات للإبلاغ عن حالات التعنيف الأسري ومعالجتها بشكل قانوني وبشكل فوري، وضمان حقوق الأطفال ورعاية المعنّفات وأبنائهنّ في حال رفض عوائل الزوجات بإستقبالهم نظراً لسوء الأحوال المادية، وضرورة توجيه دعم مالي وتأمين عمل لهذه الزوجات لدفعها على التمرد على هذا التعنيف وضمان مستقبلها برفقة أبنائها دون خوفها من الرمي في الشارع وحيدة دون معيل.
بدورها “حماة اليوم” ترعى متابعة ملف قضايا التعنيف الأسري تجاه المرأة والأطفال، حتى التأكد من بداية إطلاق مشاريعة توعية حقيقية ومراكز تضمن حماية المعنفات من كافة أنواع التعنيف.